بقلم : شاذلي عبد الرازق الزين ..
شكل بروز الإعلام الشعبي المُمتطي صهوة شبكات التواصل الاجتماعي ضربة قاسية للأنظمة، والأجهزة الإعلامية الرسميّة التي اعتادت تشويه وإعادة ترتيب الحقائق وفقًا لمتطلبات الأنظمة وسياساتها وحاجتها في سبيل غسل الأدمغة وتوجيه الرأي العام لمصلحتها.
وإن كان الحظ قد خدم وزير إعلام النازية الألماني جوبلز، الذي يُعتبر عرّاب الإعلام القذر المبني على الدعاية والأكاذيب بأن أخر ظهور شبكات التواصل والإعلام الشعبي وتأثيرها الفعلي حتى مطلع هذا القرن وترك له الفرصة ليصول ويجول مُشكلاً نظريات أصبحت مرجعًا لبعض الإعلاميين وأجهزة المخابرات تمكنت من خلالها - حتى وقت قريب - من التعتيم على الحقائق وبثّ الأكاذيب للمُتلقي الذي كان لا حول له ولا قوة إلا أن ينصاع لغسيل الأدمغة الذي يصدر من تلك الوسائل. ولكن ذلك الحظ لم يُحالف تلاميذ جوبلز واختار التخلي عنهم بعد انتشار وسائل الإعلام الشعبي عبر المدوّنات وشبكات التواصل الاجتماعي والإعلاميين الجدد الذين يديرون مواقع بتمويل ذاتي وبجهد خاص وانتشار مواقع البث المباشر عبر أجهزة الجوال والعديد من الوسائل التكنولوجية الحديثة حيث بات من السهل لكل شخص إنشاء قناة تلفزيونية أو إذاعة على الإنترنت.
يُعتبر الإعلام الشعبي ثورة حقيقية في وجه وسائل الإعلام التقليدية غير المهنيّة التي لا تحترم المتلقي بتبنيها الكذب والخداع في عهد صار فيه اكتشاف الحقيقة أسهل من شرب الماء، كما يتميّز الإعلام الشعبي بـ(الانتشار)، فكل شخص يحمل كاميرا هو مشروع إعلامي يمكنه من موقعه توثيق حدث ما، في وقت ما، ويمكن أن يكون هو الوسيلة الوحيدة التي وثقّت لهذا الحدث، متغلبًا بذلك على ضعف التغطية التقليدية التي قد تكون ناتجة من سياسة المؤسسة الإعلامية المعنيّة. كما أن الإعلام الشعبي يتميّز بـ(المصداقية) فالشخص الذي يوثق الحدث غالبًا ما يكون شخصًا بسيطًا وليس له أجندة خاصة أو سياسة معيّنة، فهو شخص وجد نفسه في ظرف معيّن ومعه مُعينات تُعينه لتوثيق هذا الحدث ويستغلّ سهولة البث لعدد كبير من الجمهور المتلقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد لعب الإعلام الشعبي دورًا لا يُستهان به في الأحداث في سوريا، فاستخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي من قبل الأسد الابن كان سيتم التعتيم عليه كما حدث في عهد الأسد الأب. فالإعلام الشعبي هنا لعب دور الشاهد العدل، الذي وثق لجريمة ضدّ الإنسانية وحفظ حقوق الشهداء التي ستؤخذ ولو بعد حين. كما لعب دورًا في القمع الذي حدث في مصر ووثق لجرائم من أطراف عديدة يمكن أن تكون وثائق إدانة في يوم ما لتلك الأطراف. والأمثلة كثيرة في هذا المجال.
مناهج الإعلام في الكليات المُتخصصة يجب أن يحدث فيها تعديل لتشمل الإعلام الشعبي كجزء أصيل من منظومة العمل الإعلامي الحديث، وعن الدور الذي لعبته في إحقاق المهنية وإعادة التوازن للمصداقية المترنّحة. ودراسة أسباب اعتماد جزء كبير من الجمهور المُتلقي وثقته في تلك الوسائل على حساب الإعلام التقليدي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق